
تُشكّل حضرموت والمهرة في الوعي الجنوبي عمقًا تاريخيًا وجغرافيًا واجتماعيًا لا يمكن التعامل معه بمنطق “الاستثناء” أو الفصل. فهذه المحافظات ليست هامشًا جغرافيًا أو حالة عابرة، بل جزء أصيل من تكوين الجنوب السياسي والاجتماعي، وركنٌ من أركان هويته الممتدة على الساحل والبر والحدود، بما يجعل أي حديث عن عزلها أو إدارتها خارج الإطار الجنوبي مشروعًا يصطدم بوقائع التاريخ والجغرافيا قبل أن يصطدم بإرادة الناس.
على المستوى التاريخي، تُظهر الأدبيات والدراسات أن المهرة كانت ضمن الترتيبات الإدارية للدولة الجنوبية السابقة (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية)، إذ تحولت إلى محافظة ضمن الدولة الجنوبية بعد نهاية السلطنة في ستينيات القرن الماضي، واستمرت كذلك حتى وحدة 1990.
كما أن نطاق حضرموت تاريخيًا يشمل حضرموت والمهرة ويعكس ترابطًا جغرافيًا متداخلًا على امتداد الشرق الجنوبي.
“الاستثناء” بوابة التفتيت
يرى مراقبون أن طرح “الاستثناءات” لا يقتصر على تمايز محلي أو خصوصية ثقافية؛ بل غالبًا ما يتحول إلى مدخل لإدامة النفوذ والتجاذبات، عبر صناعة كيانات رخوة يسهل التحكم بها سياسيًا وأمنيًا. وفي السياق الجنوبي، تبدو محاولات تصوير حضرموت أو المهرة كحالات منفصلة عن المشروع الجنوبي محاولة لتفكيك الكتلة الجنوبية وإضعاف موقفها، لأن تجزئة الجغرافيا تعني عمليًا تجزئة القرار والسيادة، وتفتح الباب أمام فراغات أمنية تستثمرها القوى المتصارعة.
وحدة الجنوب… إرادة شعب لا قرار نخبة
خلال السنوات الماضية، أثبت الجنوب “واحديته” عبر حراكٍ شعبي واسع بدأ منذ 2007 وتدرّج من مطالب حقوقية إلى مطلب سياسي واضح يتصل باستعادة الدولة والهوية الجنوبية.
وتؤكد تقارير حقوقية أن التعامل الأمني العنيف مع احتجاجات الحراك في مراحل سابقة عمّق الإحساس بالمظلومية ورسّخ التوجهات الانفصالية لدى قطاعات واسعة.
هذه الوقائع تُقدَّم لدى أنصار القضية الجنوبية باعتبارها دليلًا على أن مطلب استعادة الجنوب ليس “موجة سياسية”، بل مسار تراكمي صنعته تضحيات واصطفافات مجتمعية، وتمدد إلى مختلف المناطق الجنوبية، بما فيها حضرموت والمهرة، كجزء من هوية جنوبية جامعة.
معركة الجنوب ضد الإرهاب… حماية الداخل وتثبيت الإقليم
إلى جانب البعد السياسي، يُستشهد بما تحقق على الأرض في ملف الأمن كمؤشر على تماسك الجنوب وقدرته على حماية نفسه. ففي 2016، أُطلقت عملية عسكرية لاستعادة المكلا من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، ولعبت قوات محلية مثل “النخبة الحضرمية” دورًا محوريًا في العملية ضمن ترتيبات دعم وتدريب.
ويُنظر إلى هذه المحطة باعتبارها نقطة تحول في تفكيك سيطرة تنظيم كان يُعد من أخطر فروع القاعدة عالميًا، وإغلاق مساحة كانت تُستخدم كملاذ وتمويل وتجنيد.
كما تصف جهات بحثية متخصصة وحدات أمنية جنوبية بأنها انخرطت في مهام “مكافحة الإرهاب وإنفاذ القانون” في مناطق جنوبية مختلفة.
وفي الوقت نفسه، تؤكد تقارير دولية استمرار تهديد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب داخل اليمن، ما يجعل ملف المكافحة الأمنية حاجة مستمرة لا حدثًا عابرًا.
وفق هذا المنظور، فإن حضرموت والمهرة ليستا قابلتين للعزل عن الجنوب إلا بثمن باهظ سيدفعه الجميع: تفكيك الجغرافيا، وإضعاف القرار، وخلق فراغات يمكن أن تعيد إنتاج الفوضى والإرهاب. وفي المقابل، يُقدَّم الجنوب كجسدٍ متماسك صنعته حقائق التاريخ والجغرافيا والترابط الاجتماعي، ورسّخته تجربة الحراك الشعبي، وعززته معارك الأمن ضد الجماعات الإرهابية ومواجهة التهديدات المسلحة.
ومن هنا، تتبلور الرسالة الأساسية للحملة: وحدة الجنوب ليست شعارًا، بل شرط للاستقرار؛ وقوة قواته الأمنية والعسكرية ليست تفصيلًا، بل عامل حماية يمنع عودة التنظيمات المتطرفة ويحفظ الأمن من الشرق إلى الغرب.