
هلت اليوم الأربعاء 23 يونيو 2021م الذكرى السنوية الأولى لرحيل الأستاذ القدير/ محسن محمد صالح العلوي، الرجل الأول في الصحافة والإعلام من أبناء ردفان، عمل في وكالة أنباء عدن في سبعينيات القرن الماضي في عهد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية آنذاك .
في هذه المناسبة الأليمة سوف نحاول الكتابة ولو القليل لإنصاف هذه الشخصية، ولو بعد مماتها، كشيء من الواجب تجاه هامة إعلامية خدمت الوطن بالكثير من الجهد والعطاء وفي فترة عصيبة ومعقدة جدا .
الأستاذ محسن محمد صالح العلوي - طيب الله ثراه - هو والد الصحفي الأستاذ/ غازي محسن العلوي، الذي يعمل حاليا مديرا لتحرير صحيفة "الأمناء" ولا زالت قلوبنا مليئة بالحزن والألم عليه وعيوننا تفيض بالدمع بكاءً وحسرةً على فراقه المبكر، ولكنها مشيئة الله ولا راد لمشيئته.
صادق الكلمة وقوي الرأي والفكرة
عُرف الأستاذ محسن محمد صالح لدى الجميع بأنه رجل قوي الرأي والفكرة وصادق الكلمة، وكان مسالماً في حياته لا يحمل في قلبه أي حقد أو عداوة لأحد أيا كان، حتى لمن يسيئون إليه، كما أنه لم يعتدِ يوما على أحد ولم يسيء لأحد ولم يشتكي منه أحد، وأيضا لم يتقدم يوما إلى الشرطة أو المحكمة شاكيا من أحد؛ لأنه كان مسالمًا ومحافظًا على الصلاة بوقتها، ومع أن كل إنسان له أصدقاء وله أعداء في الحياة إلا أن أخانا المرحوم/ محسن محمد صالح العلوي كان كل الناس بالنسبة له أخوة وأصدقاء.
صمود في وجه العاصفة
الأستاذ المعلم التربوي القدير والصحفي المبدع المرحوم/ محسن محمد صالح العلوي، واجهته في حياته بعض المشاكل في العمل وفي حياته الاجتماعية، ولكنه كان أمامها شامخ الرأس قوي العقل والحكمة وصابرًا بمعنى الكلمة، تاركًا الأمر لله ومقتنعا بما كتب له الله في الحياة، ولا يجري وراء حطام الدنيا، ليس خوفا من أحد بل خوفا من الله، مع أنه كان باستطاعته فعل ذلك فهو لا يريد أن يشتكي منه أحد ولا يريد هو أن يشتكي من أحد عند مخلوق مثله، وكان يقول لنا "الشكوى لغير الله مذلة" وكان يتوكل على الله أحكم الحاكمين، الذي يمهل ولا يهمل، متمسكا بالله قولا وفعلا وواثقًا بالله بأنه هو من ينصف وينصر المظلوم في الدنيا والآخرة، ولو بعد حين، وكل هذه الصفات الحميدة كانت من محاسن وأخلاق أخينا المرحوم/ محسن محمد صالح العلوي.
وبحكم أنه كان صحفيا ومثقفا ومعلما يجيد التعبير كان بالفعل خدوما مع المواطنين الذين يعرفهم والذين لا يعرفهم فيكتب لهم الرسائل الخاصة والشكاوى إلى الشرطة وإلى المحكمة بدون مقابل، وقد كان دائما يحمل في جيبه أكثر من قلم ويكتب بخط واضح ونظيف ﻻ خدش فيه، وكان يكتب ويقول الشعر ويعبر عن الواقع المعاش وعن حاله شخصيا وحال الناس عامة، ولا زالت هناك باقية بعض من قصائده وأبياته الشعرية محفوظة لدى الكثير من الناس .
أول صحفي من ردفان عمل بوكالة أنباء عدن
المرحوم/ محسن محمد صالح العلوي عمل صحفيا ومراسلا إعلاميا بوكالة أنباء عدن في التواهي في السبعينيات من القرن الماضي في عهد ج.ي.د.ش وكان مخلصا في عمله ومحبا له وملتزما في أداء واجبه، وهذا العمل الصحفي والإعلامي قد أحبه واختاره بنفسه، ومهنة الصحافة والإعلام كان يتمناها من صغره وهو يدرس، والحمد لله تحققت أمنيته بفضل الله تعالى .
شهادة للتاريخ
وللتذكير فقد قال لنا زميله الصحفي القدير/ فضل محسن الطيري - أطال الله في عمره - وهو أيضا التحق بالعمل بوكالة أنباء عدن بعد عام من توظيف الصحفي اللامع المرحوم/ محسن محمد صالح العلوي (مطيش)، وهو الذي أكد لنا بقوله إن المرحوم/ محسن محمد صالح العلوي كان متميزا في أداء عمله، سريع الفهم والحركة، وكان عنده ذكاء فطري مرهف السمع يلتقط الكلمات والعبارات ويحفظها كما هي ويكتبها في الحال بخط واضح وبنفس الوقت أثناء المقابلات واللقاءات الصحفية مع كبار المسؤولين ومع بعض مدراء المرافق الحكومية ومع الموظفين والمواطنين كل على حدة، ويرصدها كما هي، وينقلها إلى قسم الأخبار بوكالة أنباء عدن، ومنها توزع إلى إذاعة وتلفزيون عدن سابقا وإلى الصحف الرسمية، وأثناء عمله بوكالة أنباء عدن كان يلبس البدلات السفاري (المفصلة) وبعد الدوام كان يلبس ما يشاء من البدلات مفضلا السراويل والشمزان الأنيقة، كما كان هو أنيق طويل القامة وسيم الشخصية، وفي عام 1979م وبالذات في الشهر الذي سافر به بنفس العام تحديدا قبل سفره بثلاثة أيام ذهب المرحوم/ محسن محمد صالح العلوي إلى منطقته القشعة بردفان في إجازة قصيرة مدتها ثلاثة أيام، وبعد الانتهاء من قضاء الإجازة عاد إلى عمله بالوكالة وهو لم يدرِ بأن هناك تجري من خلفه بعض الإجراءات الإدارية في ترشيح عدد محدد من موظفي وكاله أنباء عدن للسفر في مهمة رسمية وهو مرشح من ضمنهم، وفور وصوله من منطقته القشعة مسقط رأسه إلى مبنى وكالة أنباء عدن في التواهي أعطيت له في الحال مذكرة رسمية إلى مدير عام الهجرة والجوازات والجنسية، حينها كان المرحوم/ علي مقبل مرشد - طيب الله ثراه - لغرض استخراج جواز سفر، وقد كان الوقت ضيقا أمامه باعتباره هو آخر موظف من موظفي وكالة أنباء عدن المرشحين للسفر، وفي نفس اليوم الذي استلم فيه المذكرة اتجه مباشره إلى مبنى الهجرة والجوازات والجنسية في كريتر - المبنى الحالي أمام نادي التلال الرياضي ومقابل وزارة الداخلية سابقا، معهد البيحاني حاليا - وقد كان ذلك في حدود الساعة الحادية عشرة صباحا تقريبا وهو بالفعل لا يعرف ولا يعلم أن صالح مقبل عبد الله - كاتب هذا الموضوع - موظف حكومي يعمل في الجوازات منذ عام 1978م إلا في ذلك اليوم، وقد دخل إلى الصالة (الاستعلامات) مثله مثل أي مواطن كان، وفجأة جاء إلى عندي مباشرة كأي مواطن يسألني من أين أبدأ المعاملة لاستخراج جواز سفر بموجب هذه المذكرة، مع أنني كنت أعمل محاسبا أستلم رسوم الجوازات بالصالة نفسها، وقد قابلني بالصدفة ذلك اليوم وقال لي: "مش معقول! أنت هنا موظف بالجوازات؟!"، وبعدها مباشرة طلعت معه إلى مكتب المدير العام المرحوم/ علي مقبل مرشد مدير عام الهجرة والجوازات والجنسية، وعلى طول وجه المدير بسرعه إنجازه في نفس اليوم لكونه مسافرا في مهمه رسمية، وللأمانة والتاريخ اسمحوا لي أن أقول الحقيقة أن الموظفين والموظفات وكل العاملين في الهجرة والجوازات والجنسية في عام1979م كانوا بالفعل متعاونين مع الجميع دون استثناء، وهم في ذلك اليوم قد تعاونوا معه وما قصروا جزاهم الله خيرا، وبعد استكمال الإجراءات ودفع الرسوم تمت المعاملة باستخراج الجواز مع تأشيرة المغادرة، وذلك خلال أقل من ساعة تقريبا، وقد كان زملاؤه في الوكالة متوقعين تأخيره وقد تفوته فرصة السفر إلا أنه فاجأهم بالجواز وقد تعجبوا من حصوله على الجواز مع تأشيرة المغادرة بهذه السرعة وبنفس اليوم، هذا حسب كلامه الذي قاله لنا بعد عودته من السفر، وكان المرحوم محسن محمد صالح العلوي ثاني يوم مباشرة على موعد للمغادرة إلى الاتحاد السوفيتي، ومع أنه كان ذكيا ومتميزا في عمله فقد كلفه ورشحه مدير عام وكالة أنباء عدن في السبعينيات الفقيد/ سالم عمر - طيب الله ثراه ورحمه الله رحمة واسعة - ضمن الوفد الرسمي وعينه رئيسا للوفد المسافر في مهمة رسمية مع زملائه الآخرين .
رحل الأستاذ محسن محمد صالح تاركا خلفه تاريخا حافلا بالمآثر الخالدة والسيرة العطرة بين كل من عرفوه وعايشوه ، ألف رحمة ونور عليه، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمده بواسع الرحمة والمغفرة ويسكنه فسيح الجنان .