• آخر تحديث: السبت 04 مايو 2024 - الساعة:20:13:23
آخر الأخبار
أخبار عدن
شباب الجامعات بين فكي الحرب والفقر.. من المسؤول؟
تاريخ النشر: الاحد 29 اغسطس 2021 - الساعة 22:23:25 - حياة عدن/مريم محمد الداحمة

كثيرة هي المعاناة التي يرزح تحت وطأتها الشباب في اليمن، خصوصا منهم الجامعيون، الذين باتوا عالة يتجرعون مرارة الألم والحرمان على رصيف الجامعات في ظل حرب مدمرة دخلت عامها السادس توقفت خلالها كل سُبل الحياة والعيش والكريم وتحطمت على جدران حائطها الفولاذي الأسود كل أحلامهم وطموحاتهم المستقبلية.

 

ويواصل خريجو الجامعات اليمنية في جميع المدن والمناطق اليمنية التدفق سنوياً منذ عام 2015 من الجامعات إلى الشوارع دون استيعاب مع توقف جميع المشاريع التنموية والاستثمارية، في الوقت الذي تتسع فيه دائرة الجوع والفقر والبطالة وسط أزمات اقتصادية متصاعدة ومسكنات دولية عبر مساعدات إنسانية محدودة لا تغني ولا تسمن من جوع.

 

 

 

"العلواني" نموذج لآلاف الطلاب الجامعيين

 

في إحدى النقاط العسكرية في الساحل الغربي على مدخل مدينة المخا، استوقفنا جنود مدججون بالسلاح للتفتيش، وحين أوضحنا لهم بأننا إعلاميين وفي مهمة عمل صحفية ولسنا ممن يحملون السلاح الناري أو المتفجرات وتوسلنا لهم السماح لنا بالمرور أمام ذلك الكم الهائل من السيارات المتوقفة أمام نقطة التفتيش، ومن بين الجنود انبرى لنا جندي لم يتجاوز عمره 25عاما يحمل سلاح كلاشنكوف، على جانبي خاصرته تتدلى قنبلتان وحزام من الرصاص، مخاطبا إيانا بالقول: "يا سادة أنتم في اليمن ونحن في حرب ولم يعد هناك شيء اسمه صحفي أو جامعي أو ما شابه ذلك من الألقاب والأوصاف، الكل أصبح مواطنا ومن الدرجة العاشرة، وتغيرت كل الموازين والقوانين وعقارب الساعة باتت تسير بالعكس".

 

يضيف الجندي تمام العلواني: "أنا خريج بكالوريوس من كلية التربية – جامعة عدن، ومن أوائل الطلاب، وها أنتم تشاهدونني أمامكم أرتدي البزة العسكرية وأحمل الكلاشنكوف بدلا من القلم والطبشور بعد أن سدت في وجهي أبواب العمل في القطاع العام أو الخاص وتحطمت آمالي وطموحاتي التي كنت أحلم بهم حين أتخرج من الجامعة، فالحرب لم تترك لنا مجالا لنحقق ولو القليل من أحلامنا وأهدافنا، وأنا الآن شخص عاطل عن العمل ولم أجد أمامي سوى فرصة واحدة وحصلت عليها بعد معاناة وجهد كبير وهي الانخراط في السلك العسكري وبمرتب لا يصل إلا كل ثلاثة أو أربعة أشهر لكي أساعد والدي بتوفير لقمة العيش لأفراد الأسرة المكونة من 12 فرداً".

 

 

 

جامعي بديل عن خريج ثانوية بـ"30" ألف ريال

 

أكثر من "15" عاما هي المدة الحقيقية التي يقضيها الطالب اليمني للحصول على الشهادة الجامعية بدءًا من المرحلة الابتدائية، وختامًا بمرحلة البكالوريوس التي يتخرّج منها الطالب وقد تبخرت أحلامه وطموحاته نتيجة للواقع المؤلم، بعد أن تتحطم على مشوار البحث عن فرصة عملٍ بسيطة تقيه حر الفاقة، وتغطي سوءة الحياة الصعبة.

 

هي الحاجة وحدها من دفعت بالشاب مصعب محمد صالح - بكالوريوس لغة عربية - من أبناء محافظة لحج جنوب اليمن للعمل في سلك التدريس في إحدى مدارس التعليم الثانوي بديلا عن أحد المعلمين "خريج ثانوية عامة" الذين تركوا مهنة التدريس وذهبوا للعمل في السلك العسكري.

 

ليست المشكلة كما يقول مصعب في انخراطه في سلك التدريس لكونه كان يحلم منذ نعومة أظافره أن يكون معلما، وقضى سنوات في الدراسة الجامعية لنيل الشهادة ليكون مؤهلا للقيام بمهنة التدريس، ولكن المشكلة كما يرويها لموقع"التوافق الشبابي للسلام والأمن" بأنه يتقاضى راتبا شهريا بمقدار "30" ألف ريال يمني، يقوم المعلم الذي ترك التدريس وذهب للعمل في السلك العسكري مقابل "1000" ريال سعودي يحصل عليها كل شهر بمنحها إياه نهاية كل شهر بينما المتبقي من الراتب يحصل عليه "المعلم العسكري"، مشيرا إلى أن الكثير من زملائه يعملون بطريقة "البتول" - حد قوله - بمباركة الجهات المختصة في المحافظة.

 

 

 

جامعيون على رصيف البطالة

 

يقول د. محمد عبدالحميد - عضو الهيئة التدريسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة عدن - في حديث خاص إن الحرب التي أشعل فتيلها الحوثيون عام 2015م ألقت بظلالها على التعليم الجامعي في اليمن مثله مثل باقي القطاعات، ولم يكن الشباب – خريجو الجامعات – وحدهم المتضرر الوحيد من الحرب، إلا أننا نستطيع القول بأنهم الفئة الأكثر تضررا، كونهم الشريحة الأوسع في المجتمع".

 

وكان تقرير صدر عن الأمم المتحدة منتصف عام 2017 م قد أكد فقدان 80 في المائة من الشباب العاملين وظائفهم، وأنه تم تسريح 70 في المائة من العمال لدى شركات القطاع الخاص، نتيجة لإغلاق آلاف المؤسسات والمصانع أبوابها بعد تضررها من الحرب الاقتصادية والعسكرية، وفي مقابل ارتفاع أعداد الخريجين الجامعيين العاطلين عن العمل، يعاني اليمن من فقر مدقع ارتفع من 55% عام 2014 إلى 70% في عام 2019م.

 

د. محمد عبدالحميد أضاف حديثه الخاص لنا بالقول: "شيء محزن أن أجد من بين طلابي النموذجيين بل الأوائل من هم اليوم عالة على رصيف البطالة، والبعض منهم وللأسف الشديد أصيبوا بحالات نفسية وأصبحوا عالة على أسرهم، فيما البعض الآخر فضلوا الانخراط بالسلك العسكري مجبرين لتوفير لقمة العيش لأسرهم في ظل صمت مخيف تبديه الجهات المختصة التي عجزت عن إيجاد الحلول والمعالجات لهذه المشكلة، وعلى أقل تقدير بفتح باب التوظيف للخريجين، ولكن يبدو أن ثمة جهة مستفيدة من استمرار هذا الوضع والدفع بالشباب الجامعيين إلى رصيف البطالة أو الانخراط بالسلك العسكري مقابل الفتات من المرتب".

 

 

 

من المسؤول إذن؟!

 

في خضم هذا الواقع المؤسف الذي يعيشه الشباب الجامعيون في اليمن تبرز الكثير من الأسئلة والاستفسارات التي تتطلب الإجابة عنها من قبل الجهات ذات العلاقة بكل شفافية ووضوح، ولعل أبرز هذه التساؤلات: من المسؤول عن ضياع مستقبل خريجي الجامعات في اليمن؟ أين دور الحكومات المتعاقبة ودول التحالف العربي في استيعاب هؤلاء الخريجين؟  من المستفيد بالدفع بالجامعيين للانخراط في السلك العسكري وحمل البندقية بدلا عن القلم؟ لماذا يتم إقصاء الشباب من تبوء أي مناصب رفيعة أو إشراكهم في صنع القرار؟

 

أسئلة كثيرة وملحة تبرز هنا وهناك تبقى معها طموحات الشباب الجامعيين في اليمن مجرد حكاية من الماضي وأحلاما كانت تراودهم تبخرت مع هكذا أوضاع، يبدو حال الجامعيين معها مقيدٌ بين فكي الحرب والفقر، دون أي جهود تذكر للحكومات اليمنية المتعاقبة وصانعي القرار، سوى العجز الذي فاقمته الحرب التي طال أمدها، وجعلت الجميع يردد: أما آن للحرب في اليمن أن تتوقف؟! 

التعليقات
شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الصحافة الآن